بِالأَمسِ كُنتِ… بَقَلَم: مُورِيس وَدِيع النَجَّار

 

بِالأَمسِ…

كُنتِ لَوحَةً سِحرِيَّةً رَسَمَها الخالِقُ بِعَطفٍ وعِنايَةٍ على وَجهِ قَدَرِي، أَحالَت أَيَّامِيَ رَياحِينَ، وَلَوَّنَت صَباحاتِي بِأَلوانِ قَوْسِ السَّحاب.

كُنتِ حُلْمًا وَردِيًّا دَغدَغَ خَيالِيَ في أُوَيقاتِ الغِيابِ، وَدِفْئًا خَدَّرَ حَواسِّيَ في مَدَى العِناق.

كُنتِ أَمَلًا وَشَّحَ غُرُوبِيَ بِالجُلَّنارِ، داعَبَ قَسَماتِي بِنَسِيمِ الفَجرِ، وأَسكَرَ جَوارِحِي بِأَغارِيدِ الحَساسِين.

كانَت كَلِمَةُ «أُحِبُّكَ» مِلْءَ صَدرِكِ، طَوْعَ شَفَتَيكِ، ولازِمَةً تُرافِقُ ساعاتِكِ فَتَجعَلُ مِنها لَحنَ نايٍ في الغَسَقِ الهادِئِ على مُنحَدَرِنا الأَخضَرِ، حَيثُ كانت لِقاءَاتُنا تَزِيدُ الأَخضَرَ اخضِلالًا، والسَّواقِي رَنِيمًا وَصَفاء!

***

وَاليَومَ…

غَدَوتِ عاصِفَةً هَوجاءُ ضَرَبَت حُقُولِي، وما رَحِمَت نَوْرَها النَّدِيَّ الشَّذِيَّ، ثُمَّ مالَت على دَوْحَتِي الظَّلِيلَةِ الَّتي رَعَيتُها بِالأَهدابِ، وصُنتُها مِن قَوارِضِ الزَّمَنِ بِسَهَرِ اللَيالِي، وَضَنَى الحَنايا، فَمَزَّقَت أَوراقَها النَّدِيَّةَ، وَجَرَّحَت غُصُونَها، وتَرَكَتها نَهْبًا لِتَقَلُّباتِ الفُصُول.

وَأَضحَيتِ وَهْمًا بِطَعْمِ الخِذلانِ، وخَيبَةً مُطبِقَةً على أَنفاسِي، قاتِلَةً لِوُعُودِ الآتِي، وما يَحمِلُ مِن أَشواق…

وَها أَنتِ وَكَلِمَةُ الحُبِّ القُدْسِيَّةُ، الَّتي كانت نَغَمَ حَياتِكِ الأَحلَى، باتَت عَصِيَّةً، لا تُدَندِنُها لَهاتُكِ، وَلَو تَوَسَّلَها حَنِينُ الماضِي فَإِنَّها تَخرُجُ بارِدَةً كَمَشاعِرِكِ المَيْتَةِ، مَوْؤُودَةَ الجَرْسِ كَإِحساسِكِ الأَخْرَسِ، كَئِيبَةَ القَرارِ كَأَغانِي رَبِيعِنا الَّتي أَطْبَقْتِ عَلَيها النِّسيان!

***

فَبِاللهِ عَلَيكِ!

كَيفَ هَجَرتِ جَنَّةَ الهَوَى المُمرِعِ، إِلى قَفْرِ الخَيالِ الخادِعِ الَّذي تَمَلَّكَ رُوحَكِ فَمَحَقَ فِيها البَهاءَ، فَانداحَتِ العَتَمَةُ واندَحَرَ الضُّحَى…

فَهَل كانَ حَنانُكِ زَيْفًا لَم تَرَهُ عَينايَ الغافِلَتان؟!

وَهَل بِعْتِ الوَفاءَ بِـ «ثَلاثِينَ»، أَم تُراكِ وَجَدتِ الرِّضَى في بَهْرَجٍ لَن يَدُوم؟!

هو الحَبُّ، يا سَيِّدَتِي، لا تَبلُغُ ذُراهُ أَمانِي التُّرابِ، ولا تُوَفِّي رِقَّتَهُ لَمَساتٌ هَجِينَةٌ، وكَلِماتٌ جَوْفاء.

فَاهنَئِي في سَرابِكِ، إِنْ هُوَ إِلَّا ضَبابٌ يَتَبَخَّرُ في طَلْعَةِ الشَّمسِ البَهِيَّة!

***

يَومًا…

سَتَسطَعُ الحَقِيقَةُ في دَربِكِ، ويَشِعُّ اليَقِينُ…

وتَعُودِينَ…

وَلَن يَكُونَ هُناكَ، في المَعبَدِ الخاوِي، سِوَى رِياحٍ تَنُوحُ على إِيقاعِ العَدَم!