مقابلة مع معلّمة التأمّل تينزين بالمو Tenzin Palmo حاورها أ. د. لويس صليبا

أ. د. لويس صليبا مستهند وباحث ومؤلّف متخصّص في علوم الأديان والدراسات الهندية والإسلامية

تينزين بالمو Tenzin Palm في جلسة تأمّل

كلمة تينزين بالمو في مؤتمر اليوغا وعلم النفس يمكن متابعتها في التالي:

تينزين بالمو الكاتبة ورئيسة الدير

تينزين بالمو تحاضر

Sakyadhita Conference Hong Kong 2017

تينزين بالمو في كهفها الذي تحاصره الثلوج شهوراً عديدة في السنة

تينزين بالمو Tenzin Palmo الراهبة الناسكة

تينزين بالمو تحاضر في مؤتمر اليوغا وعلم النفس، ديك المحدي، 25 أيار 2019

TENZEN FOR LIVING WEDNESDAY 31 JULY 2002 بالمو مع قداسة الدلاي لاما

بالمو مع قداسة الدلاي لاما وراهبات من ديرها

تينزين بالمو Tenzin Palmo راهبة البسمة الدائمة

لقاء ودّي وحواري بين راهبة بوذية Palmo وأخرى مسيحية

كهف في الثلوج: كتاب يروي سيرة تينزين بالمو Tenzin Palmo

تينزين بالمو Palmo مع إحدى راهبات ديرها

مشاركة معلّمة التأمّل الحكيمة تينزين بالمو Tenzin Palmo، في المؤتمر العلمي الدولي الأول “اليوغا وعلم النفس” (25أيار 2019) كانت بحدّ ذاتها حدثاً استثنائياً.

إنها أقدم الراهبات الغربيّات اللواتي اخترن اتّباع طريق البوذية التيبتية. أبرزت نذورها الرهبانية منذ أكثر من خمسين عاماً. وعاشت نحو 12 عاماً في كهف في الهملايا قرب حدود التيبيت. وكانت تقضي أكثر أوقاتها في التأمّل.

كتبت تينزين بالمو عدداً من البحوث عن التأمّل وفوائده وتأثيراته، وهي اليوم مرجع عالمي في هذا الموضوع. كما اهتمّت بالتصوّف النسائي والروحانية الأنثوية ولها بحوث مهمّة في هذا المجال. وإضافة إلى اهتماماتها الفكرية فقد أسّست قرب دارام سالا/الهند أي عاصمة الدلاي لاما ديراً للراهبات اللواتي يمارسن التأمّل بانتظام. ويضمّ ديرها اليوم نحو 100 راهبة من التيبت. وهي تعدهنّ وتُشرف على تعليمهن ومتابعتهن دراسة جامعية يتعلمن فيها الإنكليزية ويتحضّرن كي يكنّ معلّمات لليوغا والتأمّل على مستوى عالميّ.

ما أن أُبلغت تينزين بالمو عن مؤتمر اليوغا وعلم النفس حتى رحّبت أجمل ترحيب بهذا المشروع، ووافقت على المشاركة فيه. وقد التقيناها خلال أعماله ودار بيننا هذا الحوار ننقله عن الإنكليزية لغتها الأمّ.

-أستاذة تينزين، إنسان اليوم في حالة قلق دائم واضطراب، وغالباً ما يكون فكره مشوّشاً، هذا ما يقرّ به أكثر الناس، فما هي أسباب هذا الحالة العامّة برأيك؟

حتى وإن كنّا كائنات بشريةفغالباً ما يشبّه ذهننا بقردٍ مجنون

فهو ليس شارداً ويفتقر إلى التركيز وحسب، بل يقفز باستمرار من هنا إلى هناك وهو كذلك ممتلئ بالانفعالات السلبية مثل غضبنا وسخطنا وجشعنا وعجرفتنا وحسدنا وتوهّمنا الخفي أن مشاكلنا هي في الخارج وبسبب الآخرين. وأن الخطأ ليس خطأنا بل خطأ الآخرين وهذا الفكر الكثير القلق والشَرود هو مصدر عذاب

-هل هو مصدر عذابٍ لنا وحسب؟

ليس لنا فقط، بل إنّنا بنتيجة ذلك نسبّب الكثير من العذابات للناس المحيطين بنا ويمكننا أن نرى ذلك في عائلاتنا.

-لماذا نسبّب نحن برأيك هذه العذابات للآخرين؟

الفوضى العارمة التي نسبّبها في الخارج هي وليدة الفوضى عينها في ذهننا.

-كيف يمكننا أن نقلب هذه المعادلة، فنكون مصدر سعادة لا عذاب؟

كي نولّد سعادة في الداخل كما في الخارج فعلينا أولاً أن نتحكّم بهذا القرد الذي هو ذهننا.

-كيف نستطيع أن نفعل ذلك؟

هناك الكثير من الطرق ولكن واحدة منها لا ريب فيها بتاتاً وقد مورست طيلة ألاف عديدة من السنين وهي تقضي بالانتباه ومراقبة تنفّسنا كيف يدخل النفس، وكيف يخرج.

-ماذا تعني هذه الطريقة تحديداً؟

لا نعي عادة أنّنا نتنفّس والآن وبهذه الطريقة نعي ذلك. وهذا كلّ ما في الأمر.

-وما الفائدة من وعينا لهذا التنفّس الآنيّ؟

لا نستطيع أن نتنفّس في الماضي ولا نستطيع أن نتنفّس في المستقبل لا نستطيع أن نتنفّس إلا الآن. إذاً فبإدراك هذا النفَس. الذي يمرّ عبر مناخيرنا نعيد الذهن إلى اللحظة الحاضرة والحاضر هو الوقت الحقيقي الوحيد الذي بحوزتنا

-وكيف نجعل الذهن أكثر تركيزاً وأكثر ليونة وأكثر تمركزاً ونجعله في الوقت عينه أكثر هدوءاً وأكثر سكوناً عندما نراقب النفَس؟

نُرجع انتباهنا إلى الشهيق والزفير بيد أنّه ليس علينا أن نكرّس له كلّ انتباهنا فجزء من تنبّهنا موجّه إلى مسألة أنّنا واعون، ليس فقط أنّنا نتنفّس، بل أنّنا نعي أنّنا نتنفّس وفي الوقت عينه فذهننا العاديّ يتابع الثرثرة في الخلفية.

-ألا تعطّل هذه الثرثرة عملية التأمّل؟

لا، ما من مشكلة. فنحن نستطيع أن نكون في غرفة حيث يوجد تلفزيون مُشعل ولكنّنا نقرأ كتاباً وانتباهنا موجّه إلى الكتاب أما الضجيج على المستوى الآخر فنكاد لا نشعر به وبالطريقة عينها نوجّه انتباهنا إلى النفَس دون أن نغيّر فيه.

-وإذا عادت الثرثرة، فماذا نفعل؟

بطريقة مسترخية ولكنّها في الوقت عينه جدّ مركّزة فعندما يعود ذهننا ثرثاراً ويضيع في المفاهيم، نرجعه وهكذا دواليك

-ألا يُتعب هذا التتالي، بين السكون والثرثرة، الفكر، ويزيد من سيطرة الثرثرة عليه؟!

أياً يكن عدد المرّات التي نرجع الذهن فيها، فبمجرّد أن نفعل ذلك فهي ممارسة ناجحة وهذا النظام سهل جدّاً وهو يدرّبنا على أن نصير أكثر وعياً وأكثر ثباتاً، ودون أن نؤخذ بثرثرة ذهننا العاديّ.

-وأية فائدة نجني من هذه الطريقة؟

هكذا ندرّب القرد، أي ذهننا، على أن يكون أكثر هدوءاً، وأكثر اطمئناناً وعلى أن يكون مهذّباً ومطيعاً ونحوّله إلى قردٍ ذكيّ.

-ماذا يعني كلّ ذلك؟

بهذه الطريقة نستطيع أن نتخطّى الذهن-القرد وأن نكتشف ذهننا البشريّ الحقيقيّ البعيد وفي ما وراء الذهن العاديّ الشَرود، المضطرب، وكذلك دوماً الثرثار والذي يُنتج المفاهيم الجديدة.

وعندما نبدأ أن نصير أسياد لا عبيد ذهننا عندها نقرّ أنّنا نملك ذهناً بيد أننا لسنا الذهن نحن شيء أبعد من الذهن. وكلّ التقاليد الروحية الأصيلة أقرّت بذلك.

-ما الذي يمنعنا إذاً من التعرّف على طبيعتنا الحقيقيّة؟

ما يمنعنا عن التعرّف على طبيعتنا الحقيقية هو هذا الأنا الصغير الكثير الانشغال بالثرثرة وبصنع آراء وأفكار وذاكرات وتفكّرات ومعتقدات ونحن نتماهى مع كلّ ذلك

-كيف ولماذا نتماهى مع معتقداتنا؟

غالباً ما نقول أو نفكّر: «أعتقد ذلك، فهو إذاً صحيح» ولكنّنا في الحقيقة عندما نراقب الذهن نرى كم أنه لا يتوقّف عن المرور وعن أن يجري كما الساقية وعندها نبدأ نقول لأنفسنا لعلّه يحسُن أن لا أعتقد بكلّ ما أفكّر إذ يمكن أن لا يكون صحيحاً.

-هل تعنين أن عقيدتنا ليست هي هوّيتنا؟

ثمّة حقيقة أكثر عمقاً فينا بيد أنها محجوبة عادة ونحن لا نستطيع أن نراها لأننّا نتماهى مع القرد.

-وما دور التأمّل هنا؟

دور التأمل يكمن في إرجاعنا إلى صحّتنا وإلى فطرتنا السليمة بعيداً عن الذهن-القرد إلى ما هو نحن حقيقة وكلّ الطرق الدينيّة تقرّ أنها طبيعتنا الحقيقية.

-وكيف لنا أن نَخبَر ذلك؟

هذا ما لا يمكن أن نختبره إلا إذا تعلّمنا أن نروّض ونمرّن ونحوّل وأخيراً نتخطّى ذهننا-القرد.

-أستاذة تينزين ما الذي يمكن لوطن صغير تعدّدي كلبنان أن يجني من فائدة من التأمّل الذي تتحدّثين عنه وتعلّميه؟

التأمّل طريقة فكرية ذهنية ورياضة نفسية عابرة للطوائف والأديان. كلّ إنسان يتنفّس بغضّ النظر عن أي انتماء دينيّ أو ثقافي أو عرقيّ له. وهو بالتالي قادر أن يراقب نفَسه ليهدّئ فكره، وفيزيولوجيا جسمه عموماً.

ومن هنا فهذا التأمّل العلماني الطابع هو بمتناول كلّ لبنانيّ أيّاً كان معتقده أو إيمانه.

-هل من كلمة أخيرة لك توجّهينها إلى اللبنانيين؟

رسالتي إلى اللبنانيين بسيطة، وتختصر بكلمات قليلة: إن في التأمّل حلّ لأكثر مشاكلكم وعلى المستويَين: الفردي والجماعي. وحظاً سعيداً أتمنّاه للجميع. وعساه يكون لنا لقاء آخر قريب.

خاتمة

تأسرك تينزين بالمو Tenzin Palmo ببساطة كلامها، وبسكونها والهدوء الدائم الذي يصدر عنه هذا الكلام، وكذلك بابتسامتها الساحرة التي تُظهر قلباً ودوداً تملأه الغبطة. إنّها امرأة احترفت الخدمة المجّانية، ومساعدة الناس قريبين وبعيدين على مواجهة صعوبات الحياة وآلامها. وهي لا تتعب من التنقّل من بلدٍ إلى بلد لتنقل رسالة السلام والمحبّة الأخوية العابرة للأديان والثقافات التي تحملها منذ الصبا. إنها بكلمة وجه أنثويّ مشرق لرئيسها الأعلى قداسة الدلاي لاما، رسول السلام العالمي، وداعية اللاعنف الدوليّ، والحائز على جائزة نوبل للسلام.وعساه يكون لهذا الوطن الصغير المتألّم موعدٌ آخر معها.