آخر مكالمة هاتفية مع جبران!/ كتب: حكمة أبو زيد

هل مرّ الوقت للكتابة عن جبران تويني؟ باقتناع وثقة أقول: لا. جبران شخصا” وسلوكا” وايمانا” بقضية هو حالة دائمة من الضرورة الإضاءة عليها وإطلاع الرأي العام، خصوصا” الشباب والاجيال اللاحقة، على أدق المعلومات عن هذه الحالة وصاحبها. من هذا المنطلق استنهضتُ ذاكرتي عن علاقتي بهفزودتني بالحوار التالي الذي دار بيننا قبيل اغتياله بيومين اثنين:
​هاتفته الى باريس في العاشر من شهر كانون الأول 2005 بعدما تناهى اليّ انه عازم على العودة الى بيروت ورجوته بإلحاح الصديق والمحب أن يبقى حيث هو بعيدا” عن غابة القتلة التي لا ترحمه وحوشوها وقلت له:
​يا جبران بعد ما نشف دمعنا على سمير قصير… ما تخلينا نبكي عليك!
قال: ما تتعب يا حكمة بديّ ارجع على لبنان يعني بدي ارجع..
قلت: برحمة أمك طوّل بالك شوي تا نشوف شو بدو يصير؟!
​ردّ بحيويته المعروفة وسألني: أنا جبان شي برأيك؟
​قلت: مين بيقدر يقول إنك جبان؟ اجابني بغضب: فلان – وذكر اسم سياسي لبناني معروف – اتهمني اني بحرض الناس بلبنان وبعرّضُن للخطر وبهرب لفرنسا!! هيدي إهانة كبيرة ما بقبلا ورح ارجع واحكي من لبنان عبر “النهار” ومع الناس مباشرة.
قلت: طيب يا جبران كتير علينا نتمنى عليك ما تتجول بلبنان وخليك بالبيت أو بدار “النهار” وتابع نشاطك من داخل لبنان.
قال بعصبيه: تعبتني يا حكمة، وصار حديثنا كأنو حوار طرشان…
قلت وفي قلبي غصة وفي صوتي رجفة: “الله يحميك والعدرا ترعاك”.
قال: ” شكرا” صديقي.. منحكي بلبنان” وعلى أمل “منحكي بلبنان” انتهت المكالمة الطويلة معه وكان هذا آخر ما سمعته منه.
لا أعرف السبب الذي دفعني صباح 12 كانون الأول 2005 الى زيارة ابني أمل في منزله بالحازمية والجلوس في الشرفة المطلّة على منطقة المكلس واشاهد بعيني الدخان الأسود يسبق صوت الانفجار المجرم الذي استهدف سيارة جبران. أذكر أني صرخت بعفوية: ” قتلوا جبران..” ورحت ادور على نفسي كالمجنون وأردد: “يا رب يكون بعد ما رجع من فرنسا” لأني لم أكن اعرف انه رجع في 11 الشهر…
وعندما أعلنت محطة ال L.B.C أن المعلومات الأولية لدينا تشير “ان الطريق التي وقع الانفجار فيها تعبرها، يوميا” ، شخصية سياسية معروفة… وسنوافيكم بالجديد فور توفره ” لحظتها نفرت الدموع من عيني وقلت: ” عملوها المجرمين وقتلوا جبران.. الله يكون بعونك يا غسان”
وانا أعزّي الوالد المفجوع في صالون كنيسة مار نقولا- الاشرفية غمرني وقال: “حكمة ما بدنا نبكي بدنا نستمر”
ولا زالت “النهار” مستمرة وضّاءة ثابتة حتى بعد رحيل الكبير غسان. وأملنا أن يظل ديكها صيّاحا” يعلن استمرار “النهار”!
حكمة أبو زيد
صحافي وكاتب سياسي