مَزارٌ وصَلاة!  بِقَلَم: مُورِيس وَدِيع النَجَّار

 

… وَتَمُرُّ السَّنَواتُ، فَالعُمرُ رَتِيبٌ شاحِبٌ، وأَنا أَطوِي الأَيَّامَ مُتَشابِهَةً بِسَأَمٍ، وأَتَساءَلُ عَن جَدوَى كِفاحِي، وغايَةِ المَسِير!

وتَقاطَعنا مِرارًا في تَشابُكِ الدُّنيا، وما تَوَقَّفْنا، فَهُمُومُ الحَياةِ تَأكُلُ مِنَّا شَغَفَ الانخِطافِ، وتَرَفَ الشَّهوَة.

وتَوقَّفتِ… فَتَوَقَّفَ البالُ عَن دَوَرانِهِ، فَأَبصَرتُ وتَبَصَّرت.

وإِذا أَنتِ في الدَّرِب حُداءٌ حَنُونٌ، وفي القَلبِ نِداءٌ يَختَرِقُ الشَّغافَ وَيُحَرِّكُ جَمادَهُ، فَنَبَضاتِي رَنِيمٌ لَم تَألَفْهُ الحَنايا، ولا عَبَرَ الخاطِر.

لَقَد كُنتُ واحِدًا في قافِلَةٍ تَدُبُّ وَئِيدًا في مَجاهِلِ الأَرض. أَطوِي الخُطَى تَثاقُلًا، ويَطوِينِي الزَّمَن…

فَمِنْ أَيِّ عالَمٍ سِحْرُكِ هذا، يَجعَلُ النَّبْضَ المُتَهالِكَ نَغَماتِ عُوْدٍ، ويُحِيلُ المَدَى الكَئِيبَ لَوحَةً تُشرِقُ بِالأَلوان؟!

كُنتُ غافِلًا يَمُرُّ بِأُذُنَيَّ نَشِيدُ الدُّنيا فَأُشِيحُ عَنهُ سَمْعِي، ولا أَقشَعِرُّ لِعُبُورِهِ، فَغَدَوتُ، غِبَّ صَحْوَتِي فِيكِ، شاعِرًا تَسكُبُ الأَفلاكُ في يَراعِهِ لَحْنَها العَذْبَ، فَتُضِيءُ، في حُرُوفِهِ، أَشِعَّةُ الأَبَد…

كُنتُ صَنَمًا في غابَةِ أَصنامٍ مَهجُورَةٍ مُغْبَرَّةٍ، لا تَكتَرِثُ بِهِ مَسِيرَةُ الشَّمس. وَهانِي شِراعٌ يَتَهادَى على أَصابِعِ النَّسِيمِ، ويُدَغدِغُ الفَجْرَ الباسِم.

وأَنتِ…

كُنتِ جَمالًا عابِرًا، ما هَزَّنِي مُرُورُهُ، فَأَصبَحتِ ذَخِيرَةً في صَدرِي، زادًا لِأَيَّامِ الصَّقِيعِ القابِلَةِ، مَزارًا أَبُثُّهُ جَوَى رُوحِي، وصَلاة!