أنا أحكم رجالا ، ولا أحكم خرافا!

آمال البيروتي طربيه 

من اجمل ما قرأت :
أنا أحكم رجالا ، ولا أحكم خرافا!
دخل رجل يدعى جارية بن قدامة السعدي ذات يوم على أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان وكان عند معاوية ثلاثة من وزراء قيصر الروم

– قال معاوية لجارية :
ألست الساعي مع علي في كل مواقفه؟
– قال جارية: دع عنك علياً، كرم الله وجهه، فما أبغضنا علياً منذ أحببناه، ولا غششناه منذ نصحناه .
– قال معاوية:
ويحك يا جارية، ما كان أهونك على أهلك إذ سموك جارية !
– قال جارية:
أهون على أهلك أنت الذين سمّوْك معاوية، وهي الكلبة التي شبقت فعوت، فاستعوت الكلاب!
– فصاح معاوية:
اسكت لا أم لك !
– قال جارية :
بل تسكت أنت يا معاوية ، لي أم ولدتني وللسيوف التي لقيناك بها، وقد أعطيناك سمعاً وطاعة على أن تحكم فينا بما أنزل الله، فإن وفيت، وفينا لك، وإن ترغب فإنا تركنا رجالاً شداداً، وأدرعاً مداداً، ما هم بتاركيك تتعسفهم أو تؤذيهم .
– صاح فيه معاوية:
لا أكثر الله من أمثالك .
– قال جارية:
يا هذا – (لم يقل يا أمير المؤمنين ) – قل معروفاً، وراعنا، فإن شر الرعاء الحطمة .

ثم خرج جارية من المجلس غاضباً دون أن يستأذن الخليفة !

فالتفت الوزراء الثلاثة إلى معاوية، فقال أحدهم:
إن قيصرنا لا يخاطبه أحد من رعاياه إلا وهو راكع، ملصق جبهته عند قوائم عرشه، ولو علا صوت أكبر خاصته، أو ألزم قرابته، لكان عقابه التقطيع عضواً عضواً أو الحرق، فكيف بهذا الأعرابي الجلف بسلوكه الفظ، وقد جاء يتهددك، وكأن رأسه من رأسك؟

فابتسم معاوية، ثم قال:
أَنَا أَسُوسُ رِجَالاً وَلَا أَسُوسُ خِرَافاً، رِجَالاً لَا يَخَافُونَ فِي الحَقِّ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وكل قومي كهذا الأعرابي، ليس فيهم واحد يسجد لغير الله، وليس فيهم واحد يسكت على ضيم، وليس لي فضل على أحد إلا بالتقوى، ولقد آذيت الرجل بلساني، فانتصف مني، وكنت أنا البادئ، والبادئ أظلم !

فبكى أكبر وزراء الروم بحرقة، فسأله معاوية عن سبب بكائه، فقال:
كنا نظن أنفسنا أكفاء لكم في المنعة والقوة قبل اليوم، أما وقد رأيت في هذا المجلس ما رأيت، فإنني أصبحت أخاف أن تبسطوا سلطانكم على حاضرة ملكنا ذات يوم !
وجاء ذلك اليوم بالفعل، فقد تهاوت بيزنطية تحت ضربات الرجال، فكأنها بيت العنكبوت… فهل يعود المسلمون رِجَالاً، لَا يَخَافُونَ فِي الحَقِّ لَوْمَةَ لَائِمٍ؟
أَنَا أَسُوسُ رِجَالاً وَلَا أَسُوسُ خِرَافاً،
رِجَالاً لَا يَخَافُونَ فِي الحَقِّ لَوْمَةَ لائم .